أسافر منك.. وقلبي معك
وعلمتنا العشق قبل الأوان
فلما كبرنا ودار الزمان
تبرأت منا.. وأصبحت تنسى
فلم نر في العشق غير الهوان
عشقانك يا نيل عمرا جميلا
عشقناك خوفا وليلا طويلا
وهبناك يوما قلوبا بريئة
فهل كان عشقك بعض الخطيئة؟!
* * *
طيورك ماتت.. ولم يبق شيء على شاطئيك
سوى الصمت والخوف والذكريات
أسافر عنك فأغدو طليقا
ويسقط قيدي
وأرجع فيك أرى العمر قبرا
ويصبح صوتي بقايا رفات..
* * *
طيورك ماتت
فلم يبق في العش غير الضحايا
رماد من الصبح.. بعض الصغار
جمعت الخفافيش في شاطئيك
ومات على العين.. ضوء النهار
ظلام طويل على ضفتيك
وكل مياهك صارت دماء
فكيف سنشرب منك الدماء..؟
* * *
ترى من نعاتب يا نيل قل لي..
نعاتب فيك زمانا حزينا..
منحناه عمرا.. ولم يعط شيئا..
وهل ينجب الحزن غير الضياع
ترى هل نعاتب حلما طريدا..
تحطم بين صخور المحال
وأصبح حلما ذبيح الشراع..
ترى هل نعاتب صبحا بريئا
تشرد بين دروب الحياة
وأصبحا صبحا لقيط الشعاع
ترى هل نعاتب وجها قديما
توارى مع القهر خلف الظلام
فأصبح سيفا كسيح الذراع
ترى من نعاتب يا نيل قل لي..
ولم يبق في العمر إلا القليل..
حملناك في العين حبات ضوء
وبين الضلوع مواويل عشق..
وأطيار عشق تناجي الأصيل..
فإن ضاع وجهي بين الزحام
وبعثرت عمري في كل أرض..
وصرت مشاعا فأنت الدليل..
ترى من نعاتب يا نيل قل لي..
وما عاد في العمر وقت
لنعشق غيرك..
أنت الرجاء
أنعشق غيرك..؟
وكيف وعشقك فينا دماء
تعود وتغدو بغير انتهاء..
* * *
أسافر عنك
فألمح وجهك في كل شيء
فيغدو الفنارات يغدو المطارات
يغدو المقاهي..
يسد أمامي كل الطرق
وأرجع يا نيل كي أحترق
* * *
وأهرب حينا
وأصبح في الأرض طيفا هزيلا
وأصرخ في الناس أجري إليهم
وأرفع رأسي لأبدو معك
فأصبح شيئا كبيرا.. كبيرا
طويناك يا نيل بين القلوب
وفينا تعيش.. ولا نسمعك
تمزق فينا..
وتدرك أنك أشعلت نارا
وأنك تحرق في أضلعك
تعربد فينا
وتدرك أن دمانا تسيل
وليست دمانا سوى أدمعك
تركت الخفافيش يا نيل تلهو
وتعبث كالموت في مضجعك
وأصبحت تحيى بصمت القبور
وصوتي تكسر في مسمعك
قد غبت عنا زمانا طويلا
فقل لي بربك من يرجعك
فعشقك ذنب.. وهجرك ذنب
أسافر عنك.. وقلبي معك
وكلانا في الصمت حزين
لن أقبل صمتك بعد اليوم
لن أقبل صمتي
عمري قد ضاع على قدميك
أتأمل فيك.. وأسمع منك..
ولا تنطق..
أطلالي تصرخ بين يديك
حرك شفتيك
أنطق كي أنطق
أصرخ كي أصرخ
ما زال لساني مصلوبا بين الكلمات
عار أن تحيا مسجونا فوق الطرقات
عار أن تبقى تمثالا
وصخورا تحكي ما قد فات
عبدوك زمانا واتحدت فيك الصلوات
وغدوت مزارا للدنيا
خبرني ماذا قد يحكي صمت الأموات
* * *
ماذا في رأسك خبرني..
أزمان عبرت..
وملوك سجدت..
وعروش سقطت
وأنا مسجون في صمتك
أطلال العمر على وجهي
نفس الأطلال على وجهك
الكون تشكل من زمن
في الدنيا موتى.. أو أحياء
لكنك شيء أجهله
لا حي أنت.. ولا ميت
وكلانا في الصمت سواء
* * *
أعلن عصيانك لم أعرف لغة العصيان
فأنا إنسان يهزمني قهر الإنسان..
وأراك الحاضر والماضي
وأراك الكفر مع الإيمان
أهرب فأراك على وجهي
وأراك القيد يمزقني
وأراك القاضي.. والسجان..
* * *
أنطق كي أنطق
أصحيح أنك في يوم طفت الآفاق
وأخذت تدور على الدنيا
وأخذت تدور مع الأعماق
تبحث عن سر الأرض..
وسر الخلق..
و سر الحب
وسر الدمعة والأشواق..
وعرفت السر ولم تنطق
* * *
ماذا في قلبك خبرني..
ماذا أخفيت؟
هل كنت مليكا وطغيت..
هل كنت تقيا وعصيت
ظلموك جهارا
صلبوك لتبقى تذكارا
قل لي من أنت..؟
دعني كي أدخل في رأسك
ويلي من صمتي.. من صمتك
سأحطم رأسك كي تنطق..
سأهجم صمتك كي أنطق..
* * *
أحجارك صوت يتوارى
يتساقط مني في الأعماق
والدمعة في قلبي نار
تشتعل حريقا في الأحداق
رجل البوليس يقيدني
والناس تصيح:
هذا المجنون
حطم تمثال أبي الهول
لم أنطق شيئا بالمرة
ماذا.. سأقول
ماذا سأقول
دعيني.. أحبك
دعيني أقاوم شوقي إليك
وأهرب منك ولو في الخيال
لأني أحبك وهما طويلا
وحلم بعيني بعيد المنال
دعيني أراك هداية عمري
وإن كنت في العمر بعض الضلال
دعيني أقاوم شوقي إليك
فإني كرهت أصول الرمال
نحب كثيرا ونبني قصورا
وتغدو مع البعد بعض الظلال
دعيني أراك كما شئت يوما
وإن كنت طيفا سريع الزوال
فما زلت كالحلم يبدو قريبا
وتطويه منا دروب المحال
ولا شيء بعدك
لأنك سر..
وكل حياتي مشاع.. مشاع..
ستبقين خلف كهوف الظلام
طقوسا.. ووهما
عناق سحاب.. ونجوى شعاع..
فلا أنت أرض..
ولا أنت بحر
ولا أنت لقيا..
تطوف عليها ظلال الوداع
وتبقين خلف حدود الحياة
طريقا.. وأمنا
وإن كان عمري ضياعا.. ضياع
* * *
لأنك سر
وكل حياتي مشاع مشاع..
فأرضي استبيحت..
وما عدت أملك فيها ذراع
كأني قطار
يسافر فيه جميع البشر..
فقاطرة لا تمل الدموع
وأخرى تهيم عليها الشموع
وأيام عمري غناوي السفر..
* * *
أعود إليك إذا ما سئمت
زمانا جحودا..
تكسر صوتي على راحتيه..
وبين عيونك لا امتهن..
وأشعر أن الزمان الجحود
سينجب يوما زمانا بريئا..
ونحيا زمانا.. غير الزمن
عرفت كثيرا..
وجربت في الحرب كل السيوف
وعدت مع الليل كهلا هزيلا
دماء وصمت وحزن.. وخوف
جنودي خانوا.. فأسلمت سيفي
وعدت وحيدا..
أجرجر نفسي عند الصباح
وفي القلب وكر لبعض الجراح..
وتبقين سرا
وعشا صغيرا..
إذا ما تعبت أعود إليه
فألقاك أمنا إذا عاد خوفي
يعانق خوفي.. ويحنو عليه..
ويصبح عمري مشاعا لديه
* * *
أراك ابتسامة يوم صبوح
تصارع عمرا عنيد السأم
وتأتي الهموم جموعا جموعا
تحاصر قلمي رياح الألم
فأهفو إليك..
وأسمع صوتا شجي النغم..
ويحمل قلبي بعيدا بعيدا..
فأعلو.. وأعلو..
ويضحى زماني تحت القدم
وتبقين أنت الملاذ الأخير..
ولا شيء بعدك غير العدم